كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ومنها: ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما عن أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنها، وعن أبيها، قالت: يا رسول الله، ما شأن الناس حلوا بعمرة، ولم تحلل أنت من عمرتك؟ قال «إني لبدت رأسي وقلدت هديي، فلا أحل حتى أنحر» انتهى منهما بلفظه. وهذه العمرة المذكورة في هذا الحديث المتفق عليه عمرة مقرونة مع الحج بلا شك في ذلك، كما جزم به النووي في شرح مسلم.
ومنها: ما رواه البخاري في صحيحه، عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت النَّبي صلى الله عليه وسلم بوادي العقيق، يقول: «أتاني الليلة آتٍ من ربي فقال: صل في هذا الوادي المبارك وقل: عمرة في حجة»اهـ. وقوله في هذا الحديث وقل عمرة في حجة يدل على القران، والمحتملات الآخر التي حمله علهيا بعض المالكية والشافعية وغيرهم لا تظهر كل الظهور: بل معناه القران كما ذكرنا. وجزم به غير واحد والله تعالى أعلم، والأحاديث بمثل ما ذكرنا كثيرة.
وقد ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد: منها بضعة وعشرين حديثا، عن سبعة عشر صحابيًّا وهم جابر، وعائشة، وعبد الله بن عمرن وعبد الله بن عباس وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعمران بن حصين، والبراء بن عازب، وحفصة أم المؤمنين، وأبو قتادة، وابن أبي أوفى وأبو طلحة، والهرماس بن زياد، وأم سلمة، وأنس بن مالك، وسعد بن أبي وقاص، وعثمان بن عفان رضي الله عنهم جميعًا وعده لعثمان رضي الله عنه في جملة من روى القران، مع ما ثبت عنه من النهي عنه يعني به تقريره لعلي رضي الله عنه على القران.
وبالجملة: فثبوت كون النَّبي صلى الله عليه وسلم كان قارنًا بالأحاديث الصحيحة، التي ذكرنا طرفًا منها لا مطعن فيه، وقد قدمنا أن القائلين بأفضلية الإفراد معترفون بقرأنه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، إلا أنهم جمعوا بين الأحاديث، بأنه أحرم أولًا مفردًا، ثم أدخل العمرة على الحج فصار قارنًا.
والذين قالوا: بأفضلية القران جزموا بأنه صلى الله عليه وسلم أحرم قارنًا في ابتداء إحرامه، واستدلوا لذلك بأحاديث صحيحة.
منها: حديث ابن عمر المتفق عليه، وقد قدمناه في هذا المبحث، وفيه: وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة، ثم أهل بالحج وهو تصريح منه رضي الله عنه، بأنه أهل بالعمرة قبل الحج ومنها: حديث عمر رضي الله عنه عند البخاري، وقد قدمناه أيضًا وفيه «وقل عمرة في حجة» وكان ذلك بالعقيق قبل إحرامه، وأهل هذا القول جمعوا بين الأحاديث الواردة بالإفراد، والأحاديث الواردة بالقران، والأحاديث الواردة بالتمتع، بغير الجمع الذي ذكرناه عن القائلين بأفضلية الإفراد، وهو أن وجه الجمع أن المراد بالإفراد: إفراد أعمال الحج، لأن القارن يفعل في أعمال الحج كما يفعله الحاج المفرد، فيطوف لهما طوافًا واحدًا، ويسعى لهما سعيا واحدًا، على أصح الأقوال، وأقواها دليلًا. وأما جوابهم عن أحاديث التمتع فواضح لأن الصحابة يطلقون التمتع على القران كما قدمنا في حديث عمران بن حصين، وكما يدل له ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما، عن سعيد بن المسيب قال: اجتمع عثمان وعلي رضي الله عنهما، وكان عثمان ينهى عن المتعة فقال على ما تريد إلى أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم تنهى عنه فقال عثمان: دعنا منك فقال: إني لا أستطيع أن أدعك، فلما رأى ذلك على أهل بهما جميعًا. فهذا يبين: أن من جمع بينهما كان متمتعًا عندهم، وأن هذا هو الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وأقره عثمان، على أن النَّبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، لَكِن الخلاف بينهما في الأفضل من ذلك.
ومما يدل على أن القارن متمتع عندهم حديث ابن عمر المتفق عليه الذي قدمناه في هذا المبحث فإن في لفظه عند الشيخين «تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج، وأهدى، فساق الهدي من ذي الحليفة، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة، ثم أهل بالحج» فتراه صرح بأن مراده بالتمتع القران.
المسألة الخامسة:
اعلم: أن حجة من قال بأن التمتع أفضل مطلقًا، ومن قال: بأنه أفضل لمن لم يسق الهدى، وكلاهما مروي عن الإمام أحمد هي: أن النَّبي صلى الله عليه وسلم أمر جميع أصحابه، الذين لم يسوقوا هديا أن يفسخوا حجهم في عمرة. كما هو ثابت عن جماعة من الصحابة بروايات صحيحة لا مطعن فيها، وتأسف هو صلوات الله وسلامه عليه، على سوقه للهدي الذي كان سببًا لعدم تحلله بالعمرة معهم.
قالوا: لو لم يكن التمتع هو أفضل الأنساك، لما أمر به أصحابه، ولما تأسف على أنه لم يفعله في قوله «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة».
تنبيهات:
الأول: اعلم أن دعوى من ادعى أن النَّبي صلى الله عليه وسلم كان متمتعًا التمتع المعروف، وأنه حل من عمرته، ثم أحرم للحج باطلة بلا شك. وقد ثبت بالروايات الصحيحة التي لا مطعن فيها: أنه كان قارنًا، وأنه لم يحل حتى نحر هديه، كما قدمناه في هذا المبحث في حديث أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنها، وعن أبيها.
فإن لفظ النَّبي صلى الله عليه وسلم في حديثها المتفق عليه قال «إني لبدت رأسي، وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر» والأحاديث بمثله كثيرة. وسبب غلط من ادعى الدعوى الباطلة المذكورة، هو ما أخرجه مسلم في صحيحه:
حدثنا عمرو الناقد، حدثنا سفيان بن عيينة، عن هشام بن حجير، عن طاوس قال: قال ابن عباس: قال معاوية: أعلمت أني قصرت من رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، عند المروة بمشقص قلت له: لا أعلم هذا إلا حجة عليك. وحدثني محمد بن حاتم، حدثنا يحيى بن سعيد، عن ابن جريج، حدثني الحسن بن مسلم، عن طاوس، عن ابن عباس: أن معاوية بن أبي سفيان أخبره قال: قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص وهو على المروة، أو رأيته يقصِّر عنه بمشقص، وهو على المروة. انتهى منه وأخرج البخاري هذا الحديث عن معاوية بلفظ: قال قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص، فالاستدلال بهذا الحديث، على أن النَّبي أحل بعمرة في حجة الوداع غلط فاحش مردود من وجهين:
الأول: أنه ليس في الحديث المتفق عليه ذكر حجة الوداع، ولا شيء يدل على أن ذلك التقصير كان فيها.
الثاني: ورود الرواية الصحيحة التي لا مطعن فيها أنه لم يحل إلا بعد الرجوع من عرفات، بعد أن نحر هديه. وقال النووي في كلامه على حديث معاوية هذا، وهذا الحديث محمول على أنه قصر عن النَّبي صلى الله عليه وسلم في عمرة الجعرانة، لأن النَّبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كان قارنًا كما سبق إيضاحه، وثبت أنه صلى الله عليه وسلم حلق بمنى، وفرق أبو طلحة رضي الله عنه شعره بين الناس فلا يجوز حمل تقصير معاوية على حجة الوداع، ولا يصح حمله أيضًا على عمرة القضاء الواقعة سنة سبع من الهجرة، لأن معاوية لم يكن يومئذ مسلمًا، إنما أسلم يوم الفتح سنة ثمان، هذا هو الصحيح المشهور، ولا يصح قول من حمله على حجة الوداع، وزعم أنه صلى الله عليه وسلم كان متمتعًا، لأن هذا غلط فاحش فقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة السابقة في مسلم وغيره: أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قيل له: ما شأن الناس حلوا ولم تحل أنت؟ قال «إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر» وفي رواية «حتى أحل من الحج» والله تعالى أعلم انتهى كلام النووي ولا شك أن حمل حديث معاوية على حجة الوداع، لا يصح بحال والعلم عند الله تعالى.
التنبيه الثالث:
اعلم أن دعوى من ادعى أنه لم يحل بعمرة من أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، إلا من أحرم بالعمرة وحدها، وأن من أهل بحج، أو جمع الحج والعمرة لم يحل أحد منهم، حتى كان يوم النحر دعوى باطلة أيضًا لأن الروايات الصحيحة التي لا مطعن فيها عن جماعة من أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم متظاهرة، بكل الوضوح والصراحة أن النَّبي صلى الله عليه وسلم، أمر كل من لم يكن معه هدي، أن يحل بعمرة، سواء كان مفردًا أو قارنًا، ومستند من ادعى تلك الدعوى الباطلة، هو ما أخرجه مسلم رحمه الله في صحيحه: حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك، عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل، عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع، فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج وعمرة، ومنا من أهل بالحج، وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج. فأما من أهل بعمرة فحل، وأما من أهل بحج أو جمع الحج والعمرة فلم يحلوا، حتى كان يوم النحر انتهى منه لأن الذين لم يحلوا من القارنين، والمفردين في هذا الحديث ونحوه من الأحاديث يجب حملهم، على أن معهم الهدي لأجل الروايات الصحيحة المصرحة بذلك وبأن من لم يكن معهم هدي فسخوا حجهم في عمرة بأمر النَّبي صلى الله عليه وسلم.
التنبيه الرابع:
اعلم أن دعوى من قال: إن النَّبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، أحرم إحرامًا مطلقًا، ولم يعين نسكًا، وأنه لم يزل ينتظر القضاء، حتى جاءه القضاء بين الصفا والمروة أنها دعوى غير صحيحة، وإن قال الإمام الشافعي: في اختلاف الحديث، إن ذلك ثابت عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، لأن الروايات المتواترة المصرحة، بأنه صلى الله عليه وسلم عين ما أحرم به من ذي الحليفة، من إفراد، أو قران، أو تمتع، لا تمكن معارضتها لقوتها، وتواترها، واتفاق جميعها على تعيين الإحرام من ذي الحليفة، وإن اختلف في نوعه، ومستند من ادعى تلك الدعوى أحاديث جاءت يفهم من ظاهرها ذلك منها حديث عائشة قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا نذكر حجًا، ولا عمرة.
وفي لفظ يُلَبِّي، ولا يَذْكُر حجًا ولا عمرة، ونحو ذلك من الأحاديث، وهذا لا تعارض به تلك الروايات الصحيحة المتواترة. وقد أجاب العلامة ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد عن الأحاديث التي استدل بها من ادعى الدعوى المذكورة، فأفاد وأجاد، والعلم عند الله تعالى.
التنبيه الخامس:
اعلم أن الأحاديث الواردة بأنه كان مفردًا والواردة بأنه كان قارنًا والواردة بأنه كان متمتعًا لا يمكن الجمع ألبتة بينها إلا الواردة منها بالتمتع، والواردة بالقران، فالجمع بينهما واضح، لأن الصحابة كانوا يطلقون اسم التمتع على القران، كما هو معروف عنهم، ولا ميكن النزاع فيه، مع أن أمره صلى الله عليه وسلم أصحابه بالتمتع، قد يطلق عليه أنه تمتع لأن أمره بالشيء كفعله إياه أما الواردة بالإفراد فلا يمكن الجمع بينها بحال، مع الأحاديث الواردة بالتمتع والقران فادعاء إمكان الجمع بينها غلط، وإن قال به خلق لا يحصى من أجلاء العلماء.
واختلفوا في وجه الجمع على قولين كما أوضحناه، فمنهم من جمع بأن أحاديث الإفراد، يراد بها: أنه أحرم أولًا مفردًا، وأحاديث القران يراد بها: أنه بعد إحرامه مفردًا أدخل العمرة على الحج، فصار قارنًا فصدق هؤلاء باعتبار أول الأمر، وصدق هؤلاء باعتبار آخره، مع أن أكثرهم يقولون: إن إدخال العمرة على الحج خاص به صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز لغيره، وهذا الجمع قال به أكثر الماليكة، والشافعية. وقال النووي: لا يجوز العدول عنه، ومنه من جمع بأن أحاديث الإفراد يراد بها: إفراد أعمال الحج، والقارن يعمل في سعيه وطوافه، كعمل المفرد على أصح الأقوال وأقواها دليلًا وكلا الجمعين غلط، مع كثرة وجلالة من قال به من العلماء. وإنما قلنا: إنهما كليهما غلط لأن المعروف في أصول الفقه، وعلم الحديث أن الجمع لا يمكن بين نصين متناقضين تناقضًا صريحًا، بل الواجب بينهما الترجيح، وإنما يكون الجمع بين نصين، لم يتناقضا تناقضًا صريحًا فيحمل كل منهما على محمل، ليس في الآخر التصريح بنقيضه، فيكونان صادقين، ولأجل هذا فجميع العلماء يقولون: يجب الجمع إن أمكن، ومفهوم قولهم: إن أمكن أنهما، إن كانا متناقضين تناقضًا صريحًا، لا يمكن الجمع بينهما، بل يجب المصير إلى الترجيح. فإذا علمت هذا فاعلم أن أحاديث الإفراد صريحة في نفي القرآن، والتمتع لا يمكن الجمع بينهما أبدًا وبين أحاديثهما فابن عمر رضي الله عنهما في حديثه الصحيح المتقدم يكذب أنسًا في دعواه القران تكذيبًا صريحًا المرة بعد المرة، كما رأيته سابقًا، فكيف يمكن الجمع بين خبرين والمخبران بهما كل منهما يكذب الآخر تكذيبًا صريحًا، فالجمع في مثل هذا محال ومن ادعى إمكانه، فقد غلط كائنًا من كان، بالغًا ما بلغ من العلم والجلالة.
وعائشة رضي الله عنها في حديثها الصحيح المتقدم تقول: فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج وعمرة، ومنا من أهل بحج، وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بحج فذكرها الأقسام الثلاثة وتصريحها بأن النَّبي صلى الله عليه وسلم أحرم بواحد معين منها، لا يمكن الجمع بينه، وبين خبر من قال: إنه أحرم بقسم من القسمين الآخرين كما ترى، وفي بعض الروايات: أحرم بالحج خالصًا، وفي بعضها: أحرم بالحج وحده، وفي بعضها: لا نعرف العمرة إلخ. وأحاديث القران فيها التصريح بأنه يقول: لبيك حجًا وعمرة فالجمع بينها لا يمكن بحال إلا على قول من قال: إنه كان قارنًا يلبي بهما معًا، وسمع بعضهم الحج والعمرة معًا وسمع بعضهم الحج دون العمرة، وبعضهم العمرة دون الحج، فروى كل ما سمع وعلى أن الجمع غير ممكن فالمصير إلى الترجيح واجب، ولا شك عند من جمع بين العلم والإنصاف أن أحاديث القران أرجح من جهات متعددة، منها كثرة من رواها من الصحابة، وقد قدمنا عن ابن القيم أنها رواها سبعة عشر صحابيًّا، وأحاديث الإفراد لم يروها إلا عدد قليل، وهم: عائشة، وابن عمر، وجابر، وابن عباس، وأسماء، وكثرة الرواة من المرجحات قال في مراقي السعود في مبحث الترجيح باعتبار حال المروي:
وكثرة الدليل والرواية ** مرجح لدى ذوي الدراية

كما قدمناه في البقرة ومنها: أن من روى عنهم الإفراد، روى عنهم القران أيضًا، ويكفي في أرجحية أحاديث القران: أن الذين قالوا: بأفضلية الإفراد معترفون بأن من رووا القران صادقون في ذلك، وأنه صلى الله عليه وسلم كان قارنًا باتفاق الطائفتين، إلا أن بعضهم يقولون: إنه لم يكن قارنًا في أول الأمر، وإنما صار قارنًا في آخره، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد: أن أحاديث القران أرجح من خسمة عشر وجهًا فلينظره من أراد الوقوف عليها.
وقد علمت مما تقدم: أن القائلين بأفضلية الإفراد، يقدحون في دلالة أحاديث القران على أفضليته على الإفراد بالقادح المعروف في الأصلو بالقول بالموجب، فيقولون: سلمنا أنه كان قارنًا مع بقاء نزاعنا في أفضلية القران على الإفراد، لأن قرأنه وأمره أصحابه بالتمتع، لم يكن لأفضلية القران والتمتع في حد ذاتيهما على الإفراد، بل هما في ذلك الوقت أفضل لسبب منفصل، وإن كان الإفراد أفضل منهما في حد ذاته لما قدمنا من أن الفعل المفضول أو المكروه، إذا كان لبيان الجواز كان أفضل بهذا الاعتبار من الفعل الذي هو أفضل منه في حد ذاته كما قدمنا إيضاحه.
وقد قدمنا أدلة من قال بهذا كحديث بلال بن الحرث المزني في السنن، وحديث أبي ذر في مسلم أن ذلك كان خالصًا بذلك الركب في حجة الوداع، وعمل الخلفاء الراشدين نحو أربع وعشرين سنة، وغيرهم من المهاجرين، والأنصار من أفاضل الصحابة، كما ثبت في الصحيحين عن عروة بن الزبير رضي الله عنهما وثبت عن الخلفاء الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان في الصحيحين وغيرهما ذلك وقد قدمنا أن الآثار والأحاديث التي ذكرها ابن حزم عنهم مخالفة لذلك لا يلتفت إليها مع الروايات الثابتة في الصحيحين، القاضية بخلافها، فإن قيل سلمنا تسلميًّا جدليًّا أن القران مع النَّبي صلى الله عليه وسلم، والتمتع الواقع من الصحابة بأمره في حجة الوداع، كانا لأجل بيان الجواز فاللازم أن تكون مشروعية أفضليتهما باقية كالرمل في الطواف في الأشواط الثلاثة الأولى، فإنه صلى الله عليه وسلم فعله، وأمر به لسبب خاص، وهو أن يرى المشركين قوة الصحابة، وأنهم لم يضعفهم مرض، ومع كون ذلك لهذا السبب فمشروعية سنيته باقية فليكن قرأنه، وتمتع أصحابه بأمره لذلك السبب كذلك.